تونس- أثار تسريب قائمة أسماء قيل إنها ملاحقة بمتابعات قضائية، مؤخرا جدلا في تونس. وتضم اللائحة شخصيات سياسية وإعلامية معروفة، تعتزم منافسة الرئيس قيس سعيّد في سباق الانتخابات الرئاسية خلال العام الجاري، في وقت ما زال فيه العديد من المعارضين موقوفين بالسجن في قضايا “التآمر على أمن الدولة”.
ومن المفترض أن تنتهي العام الجاري ولاية الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي صعد لسدة الحكم في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية المنتظمة في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أمام منافسه رجل الأعمال نبيل القروي، الذي فرّ إلى الخارج بسبب ملاحقته قضائيا بشبهة قضايا الفساد وتبييض الأموال.
وبموجب الدستور الجديد الذي سنه الرئيس سعيّد في 25 آب/أغسطس 2022، عقب سنة من إعلانه تدابير استثنائية وسّع بها صلاحياته التنفيذية وحل بها البرلمان السابق وعزل بها حكومة هشام المشيشي، يتعين عليه إجراء انتخابات رئاسية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة الرئاسية.
منافسون للرئيس
لم يعلن رسميا الرئيس قيس سعيد -إلى الآن- ترشحه لولاية جديدة، بالرغم من أنه كرر في خطاباته عزمه على مواصلة مساره السياسي دون تراجع، فيما لم تفصح هيئة الانتخابات عن التوجه لتنظيم انتخابات رئاسية خلال سنة 2024، ما يطرح العديد من التساؤلات حول تنظيم الانتخابات هذا العام.
وراجت مؤخرا على منصات التواصل قائمة أسماء، ضمت شخصيات سياسية أعلنت سابقا عزمها الترشح للسباق الانتخابي، مثل الإعلامي نزار الشعري، ورئيسة حزب الجمهورية الثالثة ألفة الحامدي، والرئيس المستقيل من حزب آفاق تونس محمد الفاضل عبد الكافي، وغيرها من الأسماء.
وقالت أطراف معارضة للرئيس سعيّد إن “ترويج هذه القائمة ينم عن نية مبيّتة من قبل السلطة لملاحقة كل من يفكر في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة”، مؤكدين أن الأمر لا يقتصر عند حدود تتبعهم شخصيا وإنما تتبع حتى أفراد عائلاتهم، بهدف ترهيبهم وثنيهم عن ممارسة حقهم، بحسب تعبيرهم.
وقد خرج الناشط السياسي والإعلامي نزار الشعري عن صمته مؤخرا، وهو أحد الشخصيات المرفوعة ضدهم قضية في غسل الأموال، مؤكدا في تسجيل فيديو صحة ملاحقته قضائيا، وقال إنه رفع قضية ضد وزيرة العدل الحالية بدعوى تسريب اسم ابنته القاصر في القائمة الاسمية التي تم تداولها.
وأشار الشعري إلى أنه يتعرض لظلم وصفه بـ”المهين”، وللترهيب السياسي بمعية عائلته والمقربين منه، منذ أكثر من أسبوع بعد إعلانه نيّة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث كان قد أكد أنه على أتم الاستعداد للفوز في سباق الانتخابات.
في المقابل، اختارت أسماء أخرى عدم الخوض في مسألة القائمة الاسمية المسربة، على غرار الناشطة السياسية ألفة الحامدي، التي طالما كانت تروج نفسها بديلا للرئيس سعيّد، معلنة عن نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وطرح مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي مغاير لمشروع الرئيس الحالي.
استهداف المعارضين
وبشأن المزاعم المتعلقة باستهداف نظام الرئيس قيس سعيد لخصومه السياسيين لإقصائهم من المنافسة، قال القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني للجزيرة نت إن هناك استهدافا لكل معارضي النظام، موضحا أن “كل مترشح جدي للرئاسة سيكون بالضرورة معارضا للرئيس سعيّد”.
ويقول “لا أستطيع أن أجزم أن كل من ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية له تتبع قضائي، أو يتم تلفيق قضية ضده، لأن هذا سيجعلني محل تتبع بموجب المرسوم 54” المتعلق بمكافحة الأخبار الزائفة، لكنه يؤكد أن العديد من الشخصيات التي لديها نية الترشح موجودون إما في السجون أو تلاحقهم قضايا.
ويضيف العجبوني “الواضح أن كل المعارضين للرئيس مستهدفون بتتبعات قضائية بتهمة التآمر على أمن الدولة”، مشيرا إلى وجود 14 شخصية سياسية في السجون على ذمة التحقيق في قضايا التآمر على أمن الدولة من مختلف التيارات السياسية، وقد أطلقت السلطة حملة ملاحقات ضدهم منذ نحو عام.
وبسؤاله عن الانتخابات المقبلة، استبعد العجبوني أن يؤجل الرئيس سعيد دعوة الناخبين للانتخابات الرئاسية، رغم أنه يمتلك إمكانية ذلك وفق دستوره الجديد، واستدرك أنه حتى الآن لا أحد يعرف شيئا عن قانون الانتخابات أو موعدها بالتحديد، رغم اقتراب انتهاء ولاية سعيّد.
ويسجل القيادي غياب ضمانات لتنظيم انتخابات رئاسية نزيهة، بدعوى أن “سعيد هو من يتحكم بمفرده في قواعد اللعبة السياسية”، معتبرا أنه “بمنطق الدستور الجديد الذي سنّه سعيد، يتعين عليه إجراء الانتخابات الرئاسية قبل 3 أشهر من انتهاء عهدته من 5 سنوات، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل”.
غياب الضمانات
يقول الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي للجزيرة نت إن “السلطة لم تنفِ ما راج من مزاعم حول ملاحقتها قضائيا لشخصيات عبرت عن نيتها الترشح لانتخابات الرئاسة”، مضيفا “عندما نرى أسماء مرشحة للانتخابات ملاحقة قضائيا، يصبح الانطباع حول استهدافها فيه شيء من المعقولية”.
وأكد المكي أن جبهة الخلاص المعارضة التي تضم عددا من الأحزاب السياسية ستدرس الأحد المقبل موقفها من الانتخابات الرئاسية، مشيرا إلى أن الجبهة طالبت بتشكيل حكومة وطنية مستقلة، وعدم التدخل في القضاء، والإفراج عن السياسيين المعتقلين، لتهيئة المناخ لانتخابات رئاسية نزيهة وشفافة.
ويقول المتحدث ذاته إن “ضمانات إجراء انتخابات نزيهة في الوضع الراهن منعدمة، بسبب استهداف المعارضين وضرب الحياة السياسية ووضع اليد على القضاء”، مؤكدا أن كل ذلك يلقي بتداعيات سلبية على العملية الانتخابية، لأن “التزوير لا يتعلق فقط بتزوير صناديق الاقتراع، وإنما بتزوير المناخ السياسي العام”.
افتراء على الرئيس
في المقابل، يؤكد أحمد الكحلاوي الناشط السياسي المؤيد لنظام الرئيس قيس سعيد للجزيرة نت إنه “من المستحيل أن يقوم سعيد بالتآمر على من يرغب في الترشح للانتخابات المقبلة”، مؤكدا أن شعبيته قوية لدى عموم التونسيين الذين يساندون مساره الذي انطلق في 25 يوليو/تموز 2021.
ويرى الكحلاوي أن “المزاعم المتعلقة بملاحقة السلطة للمعارضين لإقصائهم حتى تكون الطريق سالمة للرئيس سعيد مجرد افتراءات مجانبة للحقيقة، هدفها التشوية وإلصاق التهم الباطلة بالرئيس”، مشيرا إلى أن الرئيس سعيد ملتحم بالتونسيين من خلال جولاته المتكررة في الشوارع، وأنه يجد شعبية كبيرة لديهم.
من جهة أخرى، يؤكد الكحلاوي أن “القضاء التونسي هو الفيصل الوحيد الذي سيحسم في مسألة توقيف عدد من السياسيين بشبهة التآمر على أمن الدولة أو قضايا الفساد”، معتبرا أن التحقيق معهم لا يزال جاريا للتثبت إما من براءتهم ومن ثم الإفراج عنهم، أو التثبت من قرائن إدانتهم ومحاسبتهم.