في وقت مبكر من صباح يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قصفت القوات الإسرائيلية منزل أسرة الطفلة جود يونس ابنة الأعوام التسعة في وسط غزة. وأدى الانفجار إلى قذف الفتاة الصغيرة من سريرها إلى الشارع.
وعندما حاول الأطباء الذين يعالجونها في مستشفى قريب الوصول إلى أسرتها، أدركوا حينها أنهم لا يستطيعون ذلك؛ لأنه لم ينجُ غيرها من أسرتها التي كانت مكونة من والدتها وأبيها وأخوتها الخمسة.
وهكذا أصبحت جود واحدة ضمن ما يُعرفون الآن في مستشفيات غزة اختصارا بـ “ط م ب أ ح”، أي “طفل مصاب بدون أسرة حية”، كما أورد تقرير لصحيفة “ديلي تلغراف” اليوم السبت من القدس.
وذكر تقرير الصحيفة البريطانية أن هذا الاختصار المرعب، الذي سُلط الضوء عليه في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في لاهاي، يعكس الخسائر غير العادية التي خلّفتها الحرب على أطفال غزة.
وتقدّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) نسبة الأطفال بـ 40% من 24 ألف شخص قُتلوا في الحرب، وفقا لوزارة الصحة في قطاع غزة.
واليوم تعيش جود مع خالتها دنيا البردويل التي صحبتها من المستشفى بعد الوصول إليها، وتماثلت للشفاء من الشظية التي أصابت إحدى قدميها.
وتحكي دنيا البردويل للصحيفة، بينما كانت جود جالسة متجهمة على أريكة قريبة، “كانت نائمة قرب النافذة وأدّت موجة الانفجار إلى إلقائها خارج البيت وهي نائمة. وأحاول الآن تعويضها ما فات بأن تعيش حياتها القديمة قبل الحادث”.
مصطلح معترف به
وأشارت الصحيفة إلى نقاش الدكتور ألدو رودريغيز، جراح مكسيكي يعمل مع منظمة أطباء بلا حدود، في وقت سابق من هذا الأسبوع حول ظهور اختصار “ط م ب أ ح” في شهادة أصدرتها المنظمة.
حيث قال “بعض أصعب اللحظات بالنسبة لي في غزة كانت خلال العمليات الجراحية التي كنت أجريها كل يوم، التي يتراوح عددها ما بين 20 إلى 25 عملية. ونظرا لعدد الأطفال الكبير الذين يصلون وحدهم دون أي من أفراد الأسرة، بدأنا نستخدم هذا الاختصار”.
وقال الدكتور عماد الهمص، الذي يعالج مرضى الإصابات الطفيفة في خيمة على أرض مستشفى الكويت في رفح، إن “ط م ب أ ح”، أصبح الآن مصطلحا معترفا به على نطاق واسع.
وقال “هذا هو الاختصار الذي نستخدمه وصادفناه كثيرا في الآونة الأخيرة. وهذه هي أول حرب نشهد فيها مثل هذه الضراوة والفظاعة، ولدينا العديد من الحالات التي أتت إلينا وقد فقدت أسرها بالكامل”.
وختم تقرير تلغراف بما قاله الدكتور رودريغيز، الذي قضى 3 أسابيع في مستشفى غزة العام الماضي، إن العديد من الأطفال الذين أجرى لهم عمليات جراحية سُمح لهم بالبقاء في أرض المستشفى، وكأنهم في نوع من طي النسيان.
وقال “كل يوم كنت أرى هؤلاء الأطفال وحيدين ومدمرين. وهو وضع مأساوي؛ لأنها ليست مجرد عملية جراحية تُجرى، بل كل ما يتبعها بعد ذلك”.
وأضاف “وحتى لو خرجوا من المستشفى، فسيهيمون على وجوههم؛ لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون ولا مكان أمامهم يذهبون إليه. ربما يتحسنون بدنيا، لكنهم مدمرون نفسيا”.