نابلس- بعد محاولات كثيرة، اغتال الاحتلال الإسرائيلي أحد أبرز مطلوبيه في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين شرق نابلس، المطارد عبد الله أبو شلال (28 عاما)، القيادي في “كتيبة بلاطة” المقاومة، بقصف بطائرة مسيرة عن بعد، كان قد هوجم بمثلها قبل أسابيع قليلة، لكن العملية باءت بالفشل.
قبيل الرابعة من فجر أمس الثلاثاء، وفي عملية عسكرية مزدوجة لجيش الاحتلال في مخيمي عسكر وبلاطة شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، استهدف الاحتلال أبو شلال و4 مقاومين آخرين، قرب مدخل مخيم بلاطة الغربي (مفترق شارع القدس) فأصاب المركبة التي كانوا يستقلونها، مما أحدث انفجارا وحريقا ضخما بها، ثم لم يلبث أن هاجم الاحتلال المركبة المستهدفة، واحتجز جثث الشهداء بداخلها، وفق إسعاف الهلال الأحمر، الذي تمكن حسب قوله من سحب أشلاء أحد الشهداء.
ومع اللحظات الأولى من عملية الاغتيال، تداول الناشطون أسماء 3 شهداء، هم الشقيقان سيف ويزن النجمي والشهيد محمد قطاوي، وظل اسم عبد الله أبو شلال وابن خالته الشهيد محمود أبو حمدان في حالة مد وجزر بين النفي والتأكيد، بالرغم من أن الاحتلال أكد في خبر نشره اغتيال خلية مكونة من 5 مقاومين يتزعمها أبو شلال، إذ كانت تعد لتنفيذ عملية ضد الاحتلال.
ولأكثر من 7 ساعات، ظلت جميلة أبو شلال (أم رائد) والدة الشهيد عبد الله وأقاربها في حالة قلق وخوف من أن يكون نجلها أحد الشهداء، ليأتيها الخبر اليقين بأنه كذلك، فتصير في وضع يرثى له، وتترامى بين أيدي بناتها وقريباتها والنسوة اللواتي جئن يعزينها ويصبرنها على فقدها العزيز.
اللاجئ المقاوم المطارد
ولد الشهيد عبد الله سعيد علي أبو شلال في مخيم بلاطة في أغسطس/آب 1994، لأسرة لاجئة (مكونة من 4 ذكور وفتاتين والوالدين) تهجرت من مدينة يافا المحتلة عام 1948، وتلقى تعليمه الأساسي في المخيم، بينما نال الثانوية العامة (التوجيهي) في سجون الاحتلال، وعرف من صغره بجلده وصبره، فانطلق للعمل بسن صغيرة ليسهم إلى جانب والدته وأشقائه بمصروف المنزل، خاصة بعد أن توفي والده عام 2016.
تشرَّب عبد الله فكر المقاومة باكرا، فانضم إلى صفوفها، واعتقل وزج به بسجون الاحتلال 3 مرات، لأكثر من 6 سنوات، وصنف بعد تحرره على مرتبات الأجهزة الأمنية، كما اعتقل شقيقه الأكبر رائد مرتين، وقضى نحو 8 سنوات في سجون الاحتلال، في حين استشهد شقيقه الأوسط رياض عام 2004 خلال اجتياح الاحتلال للمخيم.
لم يلبث عبد الله أن يعود للنضال مجددا بعد تحرره، فانخرط في مجموعة “الثأر والتحرير” التابعة لكتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة “فتح”، والتي انطلقت من عهد قريب، أسوة بنظيراتها في مخيمات الضفة الغربية، فأصبح المقاوم الشاب مطاردا للاحتلال منذ عامين، واستهدفه بـ6 محاولات اغتيال، كان أبرزها منتصف العام الماضي، حيث قصف منزل عائلته بقذائف “الأنيرجا”، التي أحرقته ودمرته بالكامل.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي تعرض أبو شلال لمحاولتي اغتيال قرب المخيم وبداخله، واقتحم الجنود مخيم بلاطة، ومنزله مرات عدة، بشكل مباشر وعبر وحداته الخاصة، وأخضع الاحتلال ذويه لتحقيق ميداني قاسٍ، واحتجزهم في محاولة للضغط على عبد الله لتسليم نفسه، وهددهم بتصفيته.
“رأس مركزي” لخلايا المقاومة
ومع الساعات الأولى من اغتيال الشهيد أبو شلال، سارع الإعلام العبري لتأكيد نجاح قتل “أحد رؤوس الإرهاب المركزيين” في الضفة الغربية، حسب وصف صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية.
وقالت الصحيفة وفق ما نشره المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان عبر مواقع التواصل، في خبر مصدره الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام “الشاباك”، إنه قد “اغتيل قائد البنية التحتية الإرهابية في مخيم بلاطة”، وأنه “يتزعم وبدعم مالي وتوجيهات إيرانية خلية كانت تعد لعمل مقاوم على المدى القريب، برفقة خليته التي كانت تحمل وسائل قتالية وأسلحة وبقايا متفجرات”.
ويتهم الاحتلال أبو شلال بوقوفه خلف عمليات فدائية وقعت العام الماضي، أبرزها عملية إطلاق نار في القدس أدت لإصابة إسرائيليين، إضافة لمسؤوليته عن زرع عبوة ناسفة أدت لجرح أحد جنود الاحتلال.
رفيق الكل وحبيب الأطفال
وعن آخر لحظاتها معه، تقول جميلة أبو شلال والدة الشهيد للجزيرة نت، التي وصلت لبيته مع اللحظات الأولى لورود خبر استشهاده من الجهات المختصة “التقيته مساء أمس على عجل وبشكل خاطف، وطلب مني أن أسجل للحج أو العمرة، وأوصاني إذا ما استشهد بمواصلة رعاية مرضى فشل كلوي بالمخيم، كان هو يقوم على خدمتهم وتوفير احتياجاتهم”.
تصف الوالدة نجلها بـ”الحذر جدا”، وبرباطة جأشه واتزان أخلاقه ومواقفه “الإنسانية والحنونة” تجاه أهالي المخيم، وبأسرته وأبناء أشقائه وشقيقاته خاصة “كان رفيق الكل، والكل يحبه ويحترمه، ويحب الفقراء”.
وحده صوت بكاء النساء والأطفال ونحيبهم كان يتردد صداه بين أزقة مخيم بلاطة وشوارعه الضيقة حزنا وقهرا عليه، وتصرخ انتصار ابنة شقيقة الشهيد بعلو صوتها -للجزيرة نت- مفتقدة عمها الحنون والطيب “مات عمي، وينك (أين أنت) يا عمي عبد الله”، بينما علت نظرات الحزن والغضب وجوه الشبان الذين هبوا يهتفون للشهداء والثأر.
وعن دربه في المقاومة، تقول الوالدة إنها طالما سألته عن ذلك، وعما إذا كان سيتوقف، حرصا منها على حياته، فكان خياره محددا بين أمرين “الانتصار أو الاستشهاد”، وأنه يفعل ذلك لله وفي سبيله، وكان يقول “من عمل لله، وكان معه لن يضيعه الله”.
تقول والدته “كلما ارتقى شهيد في المخيم كان يقول نياله: ما أجمل حظه”، وتشير إلى أنه قلما تردد على المنزل إلا لأداء الصلاة، وكان يعيش ظروف مطاردة قاسية، “وقد بان عليه المرض إثر البرد الشديد” تقول والدته، التي تؤكد أن نارها لن تبرد إلا باحتضان جثمانه ودفنه بالقرب منها.