طهران وإدلب- في خطوة متوقعة لمتابعي الشأن الإيراني عقب تهديدات طهران بالانتقام لضحايا تفجيري كرمان قبل 12 يوما، فقد قصف الحرس الثوري الإيراني فجر اليوم الثلاثاء ما سماها “مراكز تجسس وتجمعات لجماعات إرهابية مناهضة لإيران” في العراق وسوريا.
وعلى النقيض من العمليات الانتقامية السابقة حيث دأبت طهران على تنفيذ ضرباتها الصاروخية من محافظة كرمنشاه غربي البلاد، فقد حرصت المؤسسة العسكرية الإيرانية هذه المرة على أن تطلق صواريخها الباليستية من مناطق مختلفة شرقي البلاد نحو الأهداف المحددة مسبقا.
من ناحيته كشف قائد قوات الجوفضائية في الحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زاده أنه تم إطلاق 15 صاروخا باليستيا دقيقا في المرحلة الأولى من العملية، وأن نحو 9 أجسام طائرة ستستهدف المجموعة الثانية من “التكفيريين وعناصر داعش” خلال الساعات القليلة المقبلة.
ساعة الصفر
وأوضح القائد العسكري الإيراني أن 4 صواريخ من طراز خيبر شكن (كاسر خيبر) الباليستية أطلقت من محافظة خوزستان (جنوب غرب) واستهدفت المجموعة التكفيرية في إدلب السورية، وأن 4 صواريخ أطلقت من محافظة كرمنشاه (غرب) و7 صواريخ أخرى من محافظة أذربيجان الشرقية (شمال غرب) على “المقر الصهيوني” في أربيل شمالي العراق.
وفي السياق، علمت الجزيرة نت -من مصدر أمني مقرب من الحرس الثوري- أن طهران تعمدت تحديد “منتصف الليل للدلالة على ساعة الصفر بتوقيت الجمهورية الإسلامية” لتنفيذ العملية التي استخدمت فيها صواريخ باليستية من طرازي خيبرشكن وفاتح 110 لتنهال بالتزامن تقريبا على أهدافها، رغم اختلاف مسافاتها من الأراضي الإيراني.
ورأى المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، في اختيار 3 نقاط لعملية الحرس الثوري رسائل متفاوتة لأكثر من جهة، بدءا من جنوبي البلاد حيث تطال الصواريخ الإيرانية مسافات شاسعة من المياه الإقليمية والدولية، ثم كرمنشاه القريبة جدا من العديد من القواعد الأجنبية في المنطقة، وصولا إلى شمال غربي البلاد حيث منطقة القوقاز، والتي تراقب طهران فيها أي تحرك أمني أجنبي قرب حدودها.
رسائل متفاوتة
وعلی غرار المصدر المطلع الذي يرى في الهجوم الصاروخي رسائل مختلفة لجهات أجنبية على علاقة مباشرة بتطورات المنطقة، فإن شريحة كبيرة من المراقبين في طهران يتناولون الحدث في سياق معركة غزة وتداعياتها على الأمن الإقليمي.
من جهته، يعتقد الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية محمد مهدي ملكي أن “استهداف مواقع جماعات داعش وتحرير الشام والحزب التركستاني في إدلب السورية يأتي انتقاما لتفجيري كرمان”، أما الصواريخ التي استهدفت ما وصفه “مقرا للموساد الإسرائيلي” شمالي العراق، فإنها رد على عمليات صهيوأميركية استهدفت قادة عسكريين من الحرس الثوري وفصائل المقاومة في العراق وسوريا ولبنان، على حد قوله.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني اعتبر الهجوم الصاروخي بأنه “يأتي في سياق الدفاع المقتدر عن سيادة البلاد وأمنها ومكافحة الإرهاب، وهو جزء من العقاب العادل من قبل الجمهورية الإسلامية ضد المتطاولين على أمنها”، علی حد تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، وصف عملية -فجر اليوم الثلاثاء- بأنها الأبعد مدى نفذتها بلاده حتى اليوم خارج حدودها، وأن مسافة أكثر من 1200 كيلومتر تحمل رسالة واضحة لتل أبيب، مؤكدا أن العملية تبرهن عن القدرة التخريبية الهائلة للصواريخ الإيرانية ودقتها، وأنها تظهر التنسيق الناجح بين الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية في إيران.
🔴 كنعاني: الهجمات الصاروخية على مقر الموساد والإرهابيين جزء من العقاب العادل ضد المعتدين
🔹صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية “ناصر كنعاني” بأن الإرهاب يشكل تهديدا عالميا منتشرا وإيران عازمة في تصميمها لمكافحة الإرهاب في إطار التعاون الإقليمي والدولي المشترك. pic.twitter.com/NHHlK1T9iz
— جريدة الوفاق (@alvefagh) January 16, 2024
اجتماع سري
وبشأن الاتفاق الأمني بين طهران وبغداد القاضي بإيقاف طهران عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية، يقول ملكي إن الجانب العراقي لم ينفذه بالكامل، ولم ينزع سلاح الجماعات الكردية المعارضة ما عدا الأسلحة الثقيلة، وبالتالي فإنه من حق إيران التحرك لتحييد الأخطار المحدقة بأمنها القومي وفقا للمادة 51 لميثاق الأمم المتحدة.
وخلص إلى أن الصواريخ الباليستية الإيرانية قد قطعت مسافات طويلة فوق القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وأن المضادات الجوية لتلك القواعد لم تتمكن من رصدها، مضيفا أن البيانات الإيرانية تفيد باستهداف عناصر مهمة من الموساد وعدد من الإرهابيين خلال اجتماعهم السري في غرفة العمليات المخصصة لاستهداف إيران.
نفي سوري
وفي سوريا، فقد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ دويّ انفجارات عنيفة سُمع في مدينة حلب وريفها، مشيرا إلى سقوط “ما لا يقل عن 4 صواريخ جاءت من اتجاه البحر الأبيض المتوسط” وسقطت في ريف حلب.
وعلى ضوء الصمت الذي تلتزمه حكومة دمشق حيال الاستهداف الإيراني لأراضي الشمال السوري، فقد نفى نبهان الشامي القيادي العسكري في “غرفة عمليات الفتح المبين” المعارضة أن يكون الموقع المستهدف عسكريا، وإنما “موقع مدني فحسب”.
وفي حديث للجزيرة نت، قال الشامي إن الصواريخ الإيرانية سقطت بين منازل المدنيين الآمنيين في جبل السماق بريف إدلب، مستهدفة مركزا صحيا، كما نفى أي وجود لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في إدلب.
وفي حين توعد القيادي العسكري في المعارضة السورية بـ”رد قاس” بحق ما أسماها “المليشيات الإيرانية”، كشف عبد الحليم شهاب متطوع في “الدفاع المدني السوري” عن إصابة مدنيين اثنين إثر الهجوم الصاروخي الإيراني.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح شهاب أن عمليات البحث والإنقاذ للدفاع المدني السوري أظهرت استهداف مستوصف في قرية تلتيتا -توقف العمل فيه منذ فترة طويلة- بـ3 صواريخ دمرت 60% تقريبا من الموقع.
وفي وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري، وقع تفجير مزدوج بالقرب من قبر القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في محافظة كرمان الإيرانية، وأسفر عن مقتل نحو 100 شخص، وذلك بالتزامن مع اغتيال عدد من قادة الحرس الثوري في سوريا وعدد آخر من القادة العسكريين في حزب الله اللبناني وحشد الشعبي العراقي.