نابلس- في مهمة غير عادية، ومن أشخاص ظهروا وكأنهم عناصر من جيش الاحتلال الإسرائيلي، أُرغم المواطن الفلسطيني قاسم برهم على الوقوف عند حاجز عسكري طارئ قرب قريته، وأُجبر على النزول من سيارته والخضوع لإجراءات عسكرية عنيفة، وسط تنكيل غير مسبوق.
لم يكن ذلك مجرد حاجز، بل أشبه بكمين نصبه مستوطنون متطرفون ينتحلون شكل وزي جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويمارسون عنفا وقمعا غير مسبوق تجاه الفلسطينيين، في مشهد بات يتكرر كثيرا وكأنها وظيفة جديدة للمستوطنين تجاوزت كل مهامهم السابقة، من اعتداء وتحريض على الفلسطينيين والسيطرة على أراضيهم وتشريدهم، ومهاجمة المزارعين وحرق محاصيلهم ومنازلهم.
بين قريتي عصيرة القبلية وعوريف قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، احتجز مستوطنون بزعامة “يعقوب” حارس أمن مستوطنة “يتسهار”، الجاثمة على أراضي تلك القرى الفلسطينية، المواطن برهم (35 عاما) مع فلسطينيين آخرين قبل أيام، وأخضعوه لتتفيش كامل بعد إجباره على رفع ملابسه وجلوس القرفصاء، ووضع يديه فوق رأسه تحت تهديد بالسلاح الذي كانوا مدججين به.
تنكيل وإرهاب
يقول برهم المنحدر من قرية عصيرة القبلية للجزيرة نت “نكّل المستوطنون بي، وركلني أحدهم على بطني، وبعد احتجازي لساعة ونصف الساعة غادروا المكان، وأبقوا علي وعلى المحتجزين في الشارع”.
الأمر الأخطر بحسب برهم أن هؤلاء المستوطنين المنتحلين صفة الجيش، فتشوه بدقة وعبثوا بسيارته وبهاتفه الخلوي، وسرقوا مبلغ 200 شيكل (حوالي 55 دولارا أميركيا) من محفظته، يقول “تعرضت للترهيب والاعتداء والقرصنة”.
وبالرغم من مروره اليومي على حواجز الاحتلال فإن “حاجز المستوطنين” حسب وصف برهم “بدا أكثر عنفا وإرهابا وحقدا أيضا، شعرت بالخوف فعلا وأن شيئا يهدد حياتي، ولم أتوقع أن يخلوا سبيلي، فقد كانوا مستعدين لإطلاق النار وقتلنا بأي لحظة”.
ومنذ ذلك الحين لم يمر برهم من ذلك الطريق، في وقت لا يجد فلسطينيون آخرون طريقا بديلا يستخدمونه عبر تنقلاتهم، مما يجعلهم عرضة لاعتداءات المستوطنين وتنكيلهم اليومي.
سياسة التهجير
يقود “يعقوب” مجموعة من المستوطنين مكونة من 6 إلى 8 أشخاص، مدججين بالأسلحة وبهيئات مرعبة، ويقومون بنصب حواجز وتسيير دوريات ملاحقة الفلسطينيين في أراضيهم، والاعتداء عليهم وطردهم منها.
وخلال 2023 فقط، شنَّ المستوطنون وفق مركز معلومات فلسطين “معطى” أكثر من ألفي اعتداء ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، بينما تشير بيانات هيئة الجدار والاستيطان إلى أن المستوطنين قتلوا في العام نفسه 22 فلسطينيا، منهم 10 بعد بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
يقول رئيس مجلس قرية عصيرة القبلية حافظ صالح، التي يكثر فيها عنف المستوطنين، إن “يعقوب تعدى دوره في حراسة أمن المستوطنة، وأصبح ينتهج سياسة التهجير لطرد المواطنين (الفلسطينيين) من أرضهم ووضع اليد عليها لتنفيذ مخططات استيطانية، ويتخذ من الحواجز العسكرية شكلا في الاعتداء على المواطنين” الفلسطينيين.
ويقول صالح للجزيرة نت إن “الحاجز الذي ينصبه يعقوب ومجموعته الاستيطانية أضحى يوميا، وأحيانا عدة مرات باليوم، وعليه يمارس أبشع جرائمه بقطع الطرق الواصلة بين القرى، في ظل إغلاق شامل تفرضه سلطات الاحتلال أصلا”.
ويضيف المسؤول المحلي “يفتش المستوطنون المركبات والمواطنين (الفلسطينيين) بداخلها بعنف، وسط اعتداء وشتائم نابية، ويسرقون أموالهم ومقتنياتهم، وداخل الأراضي يمنعون المزارعين من العمل، ويلاحقون العمال ويطردونهم من أماكن عملهم، ويهاجمون منازل المواطنين (الفلسطينيين) قرب المستوطنات”.
وسبق أن هاجم المستوطن “يعقوب” صالح داخل أرضه واحتجزه وأقاربه، وأخضعهم لتحقيق ميداني، وسط تحذير منهم “بقتل كل شخص من قريته يفتعل مشاكل”، ويضيف صالح “أطلق يعقوب النار فعلا على عائلة من قريته متعمدا قتلها، خلال مرورها بمركبتها في بلدة حوارة القريبة، وأصاب أفرادها بجروح وكسور خطرة، وبالأمس القريب أطلق النار على مركبة مواطن آخر من القرية”.
وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قتل أحد أولئك المستوطنين المزارع الفلسطيني بلال صالح (40 عاما) من قرية الساوية، بعد مهاجمته في أرضه خلال قطف ثمار الزيتون، ويقول صالح “نحن كمجلس قروي عملنا على إنارة الشارع لحفظ أمن الناس، ونبلغ الارتباط العسكري ليمنع المستوطنين، لكن لا أحد يحرك ساكنا”.
انتحال دور الشرطة
وغير بعيد عن قرية عصيرة القبلية، عمد حارس مستوطنة “مجدليم” الجاثمة فوق أراضي بلدة قصرة جنوب نابلس، لنصب حاجز عسكري عند مدخل القرية، وأغلق كذلك طرقها الفرعية داخلها، ليعيق حركة الفلسطينيين وتنقلاتهم.
ويقوم حارس المستوطنة بدور شُرَطي، حيث يقوم بتفتيش المركبات ومصادرتها واحتجاز الفلسطينيين وهوياتهم الشخصية، كما يتتبع البناء الفلسطيني بمناطق “ج” ويبلغ الجهات المعنية الإسرائيلية، والتي تقوم لاحقا بإخطار أصحابها وهدمها.
ومنذ عدوانها على غزة، دفعت الحكومة الإسرائيلية بعصابات المستوطنين من “فتية التلال” و”تدفيع الثمن” وغيرهما، بعد أن زوّدتهم بالسلاح، لحماية أمن المستوطنات والطرقات التي يسير عليها المستوطنون، لكنهم تجاوزوا هذه المهمة لنصب الحواجز وإرهاب الناس للضغط عليهم وتهجيرهم.
وبينما تقدم أكثر من 250 ألف مستوطن وفق مصادر إعلامية بعد “طوفان الأقصى” للحصول على طلب رخص لحمل السلاح، تسلح أكثر من 26 ألف مستوطن فعلا، وتلقوا تدريبات مختلفة، وفق المسؤول في هيئة الجدار والاستيطان الفلسطينية عبد الله أبو رحمة.
لا مساءلة
يقول الناشط الحقوقي مراد علي، الذي يوثق انتهاكات الاحتلال والمستوطنين في جنوب نابلس إن “المستوطنين استغلوا قانون الطوارئ المعلن في الضفة الغربية واستباحوا كل شيء، فلا ضوابط ولا روابط على أفعالهم أصلا”.
ويضيف “فضلا عن أن الحكومة قدمت لهم تسهيلات، أهمها أنها ألبستهم الزي العسكري، بمعنى وفرت لهم الغطاء الكامل لجرائمهم، وزودتهم بالسلاح، وأعطتهم مظلة قانونية وشرعية، فهم لا يخافون المساءلة، بل لن يجدوا من يسائلهم”.
وبالرغم من أنه لا فرق بين سلوك الجنود النظاميين والمستوطنين في عدوانهم، خاصة في هذه الأوقات، فإن خطر المستوطنين كما يراه الناشط علي “يكمن بحقد دفين يظهر بممارساتهم العنيفة والإجرامية، لا سيما وأن معظمهم من خلفية أمنية وعسكرية”، أما الجنود فيهدفون من خلال الحواجز لعرقلة حركة الفلسطينيين واحتجازهم، بغرض الفحص الأمني عادة، وعليه يترتب اعتقالهم أو إخلاء سبيلهم.
ويقول الناشط علي إن حكومة الاحتلال أوعزت لكل من يستطيع حمل السلاح من المستوطنين بحمله، وإرهاب الفلسطينيين الذين فقدوا الشعور بالأمان بعد ملاحقة المستوطنين لهم بكل مكان.
ويضيف “بسبب توثيق كبير لانتهاكات المستوطنين، دعت أميركا وبعض الدول الأوروبية الحكومة الإسرائيلية لكبح جماح المستوطنين ولجم سلوكهم، لكن لا تغيير منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي”.