نيودلهي- يُعرف عن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ولعه الشديد بالتصوير، فهو مستعد لقضاء ساعات أو أيام بينما يتم تصويره وهو يمارس أنشطته اليومية، وتُنشر هذه الصور بوسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، بل وعلى شكل صور معلقة في شوارع البلاد المختلفة.
وبترؤس الهند قمة العشرين بصورة روتينية، بعد انتهاء رئاسة إندونيسيا للمجموعة في ديسمبر/كانون الأول 2022، يكون مودي قد حصل على فرصة ذهبية لتسويق نفسه محليا وعالميا.
ومنذ ذلك الحين، بدأت الحكومة الهندية تروج في إعلاناتها وتقاريرها وبياناتها أن رئاسة مودي لمجموعة العشرين اعتراف عالمي بقيادته، وأنه الآن قائد سياسي تحسب له القوى العالمية ألف حساب، ووصل الأمر إلى حد قول إن مودي يتدخل الآن لحل القضايا العالمية مثل قضية أوكرانيا، وترددت شعارات مثل “وِيشوا غورو” والتي تعني معلّم العالم.
مفارقات في الاستعدادات
أطلقت الهند على هذه القمة “مهرجان الشعب” وتداولت أخبار تفيد بإنفاق نحو 500 مليون دولار على التجهيزات، وهو ما يعتبر مبلغا كبيرا على مستوى هذا البلد الذي يعاني من معدلات فقر عالية.
وانتشرت في شوارع الهند طوال الشهور الماضية شعار مجموعة العشرين، مضافا إليه صورة مودي مع زهرة اللوتس التي تمثل شعار حزب الشعب الحاكم، بالإضافة إلى نشرها في وسائل الإعلام المختلفة، بهدف توجيه رسالة إلى المواطن أن رئيس وزرائه قد أصبح الآن شخصية عالمية.
وفرضت حكومة مودي على المؤسسات العامة والخاصة، وحتى على المدارس والجامعات، عقد مؤتمرات ومحاضرات ومناسبات سياسية وثقافية بمناسبة قمة العشرين.
وبدأ تجميل كل المناطق التي ستمر بها وفود المجموعة العشرين الوزارية، وتزينت بزهور تم جلبها من خارج البلاد، ووضعت تماثيل الأسود على تقاطعات الطرق من المطار إلى الفنادق التي ستقيم بها الوفود، وإلى أرض المعارض حيث ستعقد اجتماعاتهم، والتي سبق أن تم هدمها وإقامة مبان جديدة تضاهي تلك الموجودة بالدول الكبرى.
أما مساكن الفقراء التي تصادف وجودها بالطرق وستمر بها مواكب الوفود القادمة، فقد جرى هدم الآلاف منها، وغطي ما تبقى منها بصفائح حديدية أو أقمشة حتى لا تُرى في الطرق العامة، وتم نقل المتسولين إلى أماكن مجهولة، كما نُقلت الحيوانات الضالة كالأبقار والقرود والكلاب إلى أماكن نائية.
وقبل أيام من بدء قمة العشرين، حظرت الحكومة الهندية التجول في العاصمة، وأعلنت إغلاق المحلات والمؤسسات والأسواق والمدارس والجامعات إلى ما بعد يوم من نهاية القمة.
قمة “شعوب العشرين”
سبق قمة مجموعة العشرين مؤتمرٌ عُقد بتاريخ 18 أغسطس/آب 2023 في العاصمة نيودلهي باسم “نحن شعوب العشرين” وحضره نحو 500 مندوب، يمثلون 70 منظمة ونقابة وحركة شعبية بدول مجموعة العشرين.
وانتقد هذا المؤتمر سياسات مجموعة العشرين، المتمثلة حسب رأيهم بالليبرالية الجديدة ومعاداة حقوق الفقراء، كما انتقد حكومة مودي لاستغلالها قمة العشرين لإبراز شخصية رئيس الوزراء وخدمة أهدافه السياسية، وصرفها مبالغ طائلة على الدعاية وتشريدها آلاف الفقراء.
وكان من المقرر أن تستمر هذه “القمة المضادة” حتى يوم 26 أغسطس/آب، إلا أن الشرطة الهندية أحاطت بمكان المؤتمر ومنعت المندوبين من دخول القاعة اليوم الثاني، قائلة إن المؤتمر يُعقد بدون إذن رسمي.
إخفاقات مودي
يقول بعض المراقبين إن الهند تفتقر للنفوذ الكافي لإقناع الدول بقبول آرائها، ويبرهن ذلك اجتماعات المجموعات الوزارية التي سبقت القمة، وانتهت بدون إصدار بيانات مشتركة، وهو ما يدفع إلى التكهن بأن قمة العشرين ستنتهي بدون إصدار بيان مشترك.
وهناك قضايا خلافية مثل الحرب في أوكرانيا التي لا تتفق الدول المشاركة بالقمة على موقف موحد منها، وهو ما سيكشف هشاشة مركز مودي كقائد عالمي، وقد بدأت التحديات أمام مودي تظهر حين رفض كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين حضور مؤتمر القمة.
وتسعى الهند إلى أن تكون جسرا بين العالم المتطور والعالم النامي، لكن بعض المراقبين لسياسة حزب الشعب برئاسة مودي، والتي تستخدم الكراهية خصوصا ضد المسلمين، يشككون في أنها قادرة على التصدر لقيادة العالم، ناهيك عن فشله في إنهاء العنف المنتشر في بعض الولايات، مثل ولاية مانيبور (شمال شرق) المحكومة أصلا من قبل حزبه.