“قناة بنما” كابوس جديد للتجارة العالمية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

واشنطن- تتعرض حركة التجارة والشحن البحري لأزمات لا تنتهي خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة لأسباب مختلفة أهمها تزامن التوترات الجيو-إستراتيجية في بعض المناطق، مع التغيرات الطبيعية السلبية في مناطق أخرى حول العالم.

وتدفع الحروب والنزاعات الدولية في مناطق المضائق البحرية المهمة، كمضيق هرمز في مدخل الخليج العربي، أو مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر، لارتفاع تكاليف الشحن بسبب مضاعفة تكلفة الخدمات التأمينية، أو اضطرار شركات الشحن الكبرى لاتباع مسارات بديلة أطول رغم ارتفاع التكلفة، كما جرى في حالة طريق رأس الرجاء الصالح بديلا عن قناة السويس في أعقاب هجمات جماعة الحوثيين اليمنية على عدد من السفن المشتبه في توجهها للموانئ الإسرائيلية.

وبعيدا عن التوترات العسكرية، تعرف قناة بنما ،التي تصل بين المحيطين، الهادي والأطلنطي في أميركا الوسطى، أزمة غير مسبوقة سببتها التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة في مياه المحيطات، مما أدى إلى نقص المياه فيها.

وتقدم قناة بنما مزايا ضخمة للتجارة البحرية في العالم، بسبب موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وهي عصب مهم لاقتصاد القارتين الأميركيتين.

واضطرت إدارة قناة بنما لخفض عدد السفن العابرة يوميا من 37 سفينة إلى 18 سفينة فقط، مما يؤثر بصورة كبيرة على حركة التجارة العالمية، وضاعف من اضطرابات الأسواق وسلاسل التوريد حول العالم. وتعد تلك هي المرة الأولى التي تضطر فيها قناة بنما إلى تقييد عدد السفن المارة بها.

وتعرض الجزيرة نت في صيغة سؤال وجواب لأبعاد أزمة عمليات الشحن والتبادل التجاري، بسبب نقص المياه في قناة بنما.

ما حجم التجارة الدولية التي تمر عبر قناة بنما؟

تعد القناة ممرا مائيا حيويا من الناحيتين التجارية والعسكرية، حيث يمر خلالها من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي ما يقارب من 13 ألف سفينة سنويا، أي بمعدل 37 سفينة يوميا.

وتبلغ حمولة تلك السفن ما يقارب من 235 مليون طن متري سنويا، وتعمل 70% من هذه السفن في نقل البضائع بين الموانئ الأميركية والكندية على المحيطين الهادي والأطلنطي.

في ظل الظروف العادية، تتعامل قناة بنما مع حوالي 5% من أحجام التجارة البحرية العالمية و46% من تجارة الحاويات التي تنتقل من شرق آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

وتعد هذه القناة أكبر مصدر للإيرادات في بنما، حيث حققت 4.3 مليارات دولار عام 2022، هو رقم ليس بقليل في دولة لا يتعدى عدد سكانها 4.5 ملايين نسمة.

لماذا تم حفر قناة بنما؟

تصل المسافة من مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا على المحيط الهادي إلى مدينة نيويورك على المحيط الأطلنطي إلى 21 ألف كيلو متر لو أبحرت السفن حول قارة أميركا الجنوبية، في حين تستغرق الرحلة نفسها أقل من 8 آلاف كيلومتر إذا تمت عبر قناة في أميركا الوسطى.

وبعد محاولات فاشلة قامت بها فرنسا، فوض الكونغرس عام 1899 لجنة علمية لدراسة إمكانية شق قنوات محتملة خدمة للأمن القومي، والتجارة الأميركية.

ويخدم القناة عدد من البحيرات الطبيعية، كما تم بناء “أهوسة” ضخمة للتحكم في مياه فيضانات الأنهار المجاورة، وتشبه تلك “الأهوسة” درجات السلم حيث يتم رفع السفن الضخمة عن طريق ضخ المياه لتصل لمستوى سطح البحر في العديد من المناطق على طول القناة البالغ طولها 82 كيلو مترا.

وبالقناة 3 أطقم من الأهوسة الرئيسية، وتحدد مساحتها حجم السفن التي بوسعها استخدام القناة. فعلى سبيل المثال لا تتمكن ناقلات النفط التجارية العملاقة أو حاملات الطائرات العملاقة من المرور بهذه القناة.

وتقطع السفن مسافة القناة بين المحيطين الأطلسي والهادي خلال 8 ساعات تقريبا، لكن عليها الانتظار خارج القناة لأيام طويلة، نظرا لقصر عرض القناة التي لا تسمح بتسيير سفن في الاتجاهين في الوقت نفسه.

لماذا تمر قناة بنما بأزمة كبيرة الآن؟

عرف العام الماضي مستويات غير مسبوقة من الجفاف، وسجل عام 2023 بعضا من أعلى درجات الحرارة في التاريخ، وأثرت درجات الحرارة المرتفعة في المحيط الأطلسي وتأخر بدء موسم الأمطار في دول أميركا الوسطى، تأثيرا مباشرا على مستويات المياه في خزانات قناة بنما والبحيرات المجاورة التي تعتبر ضرورية لعملياتها ولمرور السفن والحاويات من خلالها بين المحيطين الهادي والأطلنطي.

كيف تعاملت سلطات بنما مع هذه الأزمة؟

تُقر السلطات بأنه لا يوجد حل سحري لهذه القضية، وتركز حكومة بنما في إستراتيجيتها التشغيلية الحالية على توفير المياه بطرق مختلفة، مع توفير أكبر قدر من الشفافية لعملائها كي لا يفاجؤوا بالترتيبات المتغيرة.

ودفع نقص هطول الأمطار إلى تقليل عدد عمليات المرور اليومية بقناة بنما. وتحاول السلطات تخزين المياه بأكبر كمية ممكنة في بحيرات تابعة للقناة، وتعتبر جزءا منها، ويخدمها عدد من الخزانات والسدود والبوابات الفولاذية الضخمة التي تقلل تسرب المياه المتوافرة.

وتركز إستراتيجية توفير المياه على عدة خطوات منها ضبط الحد الأقصى للسحب وسعة المرور نقل اليومي. وقررت إدارة القناة فرض تخفيض تدريجي لينزل إجمالي عدد السفن المارة يوميا من 37 سفينة إلى 18 فقط، وهو ما يعد كافيا مع ضمان توافر مياه البحيرات للاستهلاك البشري واستمرارية عمل القناة خلال موسم الجفاف المقبل.

وقبل أيام عدلت إدارة القناة أرقامها لتسمح بمرور 24 سفينة يوميا.

ما أهم بدائل انتكاسة قناة بنما المناخية؟

أدت الأزمة إلى انتكاسة لطرق الشحن المتاحة التي كانت مضمونة وآمنة لأكثر من قرن. وتبحث شركات الشحن الكبرى، والدول المعنية في وسط أميركا، في بدائل من بينها.

  • العودة إلى الشاحنات البرية وسيارات النقل والقطارات، لكن ذلك يعد بديلا بطيئا للغاية، ومكلفا جدا، إذ تحمل سفن الحاويات حمولة آلاف الشاحنات البرية في رحلة واحدة.
  • تفكر دول أخرى كالمكسيك ونيكاراغوا في بدائل شق قنوات بديلة لقناة بنما، لكن ذلك البديل أمامه سنوات طويلة من الدراسات اللازمة بعيدا عن البحث عن جهات تمويل ضخمة، وبعد الكثير من القيود والاعتبارات السياسية.
  • هناك بديل الدوران حول قارة أميركا الجنوبية، لكن هذا مسار بطيء للغاية يرفع تكلفة النقل بصورة كبيرة. إضافة إلى بديل الممر الشمالي الغربي، وهو طريق بحري يلتف حول ساحل القطب الشمالي الكندي، قد يصبح قابلا للتطبيق خاصة مع التغيرات المناخية الجارية وارتفاع درجات الحرارة.

هل يمكن اللجوء  إلى هذه البدائل بسهولة؟

لا توفر أي من هذه البدائل حلا لأزمة قناة بنما. فالقنوات البديلة المقترحة ستتعرض للظاهرة المناخية نفسها التي تتعرض لها قناة بنما. كما أن البدائل البرية لا يمكنها منافسة سفن تحمل فوقها 14 ألف حاوية في رحلة واحدة.

ويبقى البديل الأكثر واقعية هو استكمال تطوير وتوسيع قناة بنما بدلا من التنافس معها، وفق مراقبين.

ما تأثير كل ذلك على حركة التجارة العالمية في 2024؟

بدأ عام 2024 في ظل استمرار أزمة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما دفع جماعة الحوثيين في اليمن إلى مهاجمة السفن التي تمر عبر البحر الأحمر عند مضيق باب المندب.

وانخفض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 40% حيث تحولت السفن حول الدوران حول القارة الأفريقية. في الوقت ذاته انخفضت التجارة عبر قناة بنما، ثاني أكثر ممرات الشحن ازدحاما من صنع الإنسان، بنسبة 30% منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ما علاقة الولايات المتحدة بقناة بنما؟

بعد اعتراف واشنطن باستقلال بنما عام 1903، وقعت الدولتان معاهدة منحت واشنطن حق الاستخدام الدائم لمنطقة قناة يكون عرضها 16 كيلو مترا، وتصل بين المحيطين الهادي والأطلنطي، بما يخدم معه حركة التجارة بين شرق وغرب القارتين الأميركيتين، وتقلص المسافة بين سواحل أميركا الشرقية ودول شرق آسيا.

واتفقت واشنطن على أن تقدم إلى بنما مبلغ 10 ملايين دولار تدفع سنويا ابتداء من عام 1913.

وفي 12 من يوليو/تموز 1920 أعلن الرئيس الأميركي وودرو ويلسون الافتتاح الرسمي لقناة بنما، وعلى مدار العقود اللاحقة، وسعت وطورت الولايات المتحدة القناة ونظامها الهندسي المعقد، إلى أن توصل الطرفان عام 1977 لمعاهدة ضمنت انتقال ملكية وإدارة القناة إلى حكومة بنما، على أن تضمن لواشنطن الحق في الدفاع عن حياد القناة، وفتحها أمام حركة التجارة العالمية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *