القدس المحتلة- كشف أرشيف الدولة الإسرائيلي عن آلاف الوثائق والمستندات وبروتوكولات جلسات الحكومة برئاسة غولدا مائير المتعلقة بحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 والتي تسميها تل أبيب حرب “يوم الغفران”، وسلطت الوثائق الضوء على الفشل الاستخباراتي للأجهزة الأمنية الإسرائيلية والخطأ بالتقديرات، واستبعاد شن مصر وسوريا حربا مباغتة على إسرائيل.
ودشن الأرشيف عبر موقعه الإلكتروني صفحة خاصة بهذه الحرب واستعرض من خلالها ألف صورة فوتوغرافية ونحو 750 تسجيلا صوتيا وأفلاما لصحفيين وجنود إسرائيليين ووثائق ومستندات وبروتوكولات لجلسات المستوى السياسي والأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية ومراسلات الجيش والخارجية الإسرائيلية.
ويشمل الأرشيف آلاف الملفات المتعلقة بهذه الحرب بعد 50 عاما على اندلاعها، وتضم مئات آلاف صفحات ووثائق ومستندات وصورا توثق لحظات الأحداث واللقاءات في مختلف المجالات.
ونشر الأرشيف محاضر الجلسات واللقاءات والتقديرات السياسية والعسكرية والأمنية والدولية والعامة والمدنية للاطلاع عليها لأول مرة، فيما ستبقى مئات الوثائق والمستندات محظورة بسبب “الأمن القومي لإسرائيل”، وسيُسمح بنشرها بعد 40 عاما أخرى.
ويمكّن الأرشيف من تصفح آلاف الملفات عن مشاورات لجان الكنيست والمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية (الكابينت)، وتقديرات جهاز الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي (أمان)، والتقييمات بشأن سير الحرب وتحضير الجبهة الداخلية للحرب وجاهزيتها.
إخفاقات
وفي مؤشر يعكس تبادل الاتهامات بشأن إخفاقات الأذرع الأمنية الإسرائيلية استخباراتيا وعسكريا قبيل وخلال سير الحرب -بحسب توثيق الأرشيف- نشر الموساد دراسة جديدة ومجموعة من الوثائق التاريخية تتعلق بنشاطه خلال حرب “يوم الغفران”.
وجاءت الدراسة “للرد على تقارير (أمان) التي حملته مسؤولية الفشل في توقع الحرب، ولدحض منشورات مختلفة في الصحافة والأوساط الأكاديمية التي حملته مسؤولية الإخفاق”.
وأظهرت المنشورات أن الاستخبارات العسكرية فشلت في التحذير من اندلاع الحرب وأخطأت في التقديرات باستبعاد سيناريو أن تشن مصر وسوريا حربا مفاجئة على إسرائيل، حيث شملت المواد الأرشيفية للموساد وثائق وصورا لتجنيد المصري أشرف مروان الذي لقبه الموساد بـ”الملاك”.
ووفق الرواية الإسرائيلية، التقى مروان في لندن رئيس الموساد تسفي زامير في حينه، وحذره من اندلاع الحرب قبل 16 ساعة من نشوبها، فيما تكشف الوثائق المتعلقة بهذا اللقاء عن إخفاق الموساد في تحذير القيادة السياسية الإسرائيلية من احتمال نشوب الحرب، وضعف قدرة زامير على قراءة الموقف والتقليل من أهمية المعلومات التي نقلها مروان.
المصري أشرف مروان
وترى أوساط إسرائيلية أن مروان -وهو صهر الرئيس المصري جمال عبد الناصر وكان مستشارا للرئيس أنور السادات- كان عميلا مزدوجا، فيما اعتبره البعض جاسوسا عمل لصالح مصر لتضليل إسرائيل حينها.
وخلافا لذلك، تظهر الدراسة التاريخية أن الموساد وقبل حرب “يوم الغفران” قدم الكثير من المواد الاستخباراتية عالية الجودة في المجالين السياسي والعسكري عن قرار مصر وسوريا خوض الحرب، وزعم الموساد أنه قبيل ساعات من اندلاعها وجه مروان التحذير الأخير لإسرائيل بشأن الحرب المباغتة.
وتضمنت هذه المواد معلومات كثيرة عن جيشي مصر وسوريا، بما فيها تحذيرات ملموسة بشأن الموعد المتوقع لبدء الحرب، لكن هذه المعلومات لم تمنع إخفاق الجيش الإسرائيلي والثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل عسكريا ومدنيا.
دفتر يوميات مائير
وكُشف النقاب عن دفتر يوميات مكتب رئيسة الوزراء غولدا مائير قبل وخلال الحرب وما بعدها وحتى اتفاق فصل القوات عام 1974، وتمحورت اليوميات حول الجوانب السياسية والعسكرية والاتصالات الدبلوماسية الدولية والإقليمية التي أجراها ديوان رئيسة الوزراء حينها، حسب ما وثقها إيلي مزراحي الذي شغل منصب مدير الديوان.
وتصف اليوميات المشاعر والمعضلات التي رافقت صناع القرار، وتعرض صورة العلاقات الشخصية داخل الحكومة، وتؤكد أن الشك رافق القادة الإسرائيليين حتى بداية صيام “يوم الغفران وبعده أيضا.
وشملت اليوميات 3500 ملف تحتوي على مئات آلاف الصفحات، وتمحورت حول المداولات بشأن سبل اتخاذ القرارات الإسرائيلية حيال سير الحرب على جبهات القتال، وكذلك الاتصالات الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر وسوريا عبر الدول العظمى لوقف الحرب.
وأظهرت اليوميات الحديث عن الاتصالات المزعومة إسرائيليا التي جمعت رئيسة الوزراء غولدا مائير بالملك الأردني الراحل الحسين بن طلال عشية الحرب، واللقاء المزعوم الذي جمعهما في مكتب تابع للموساد بالقرب من تل أبيب.
خطأ بتقدير الموقف
وذكرت مقدمة أرشيف الدولة الإسرائيلي أنه في نهاية عام 1972 بدأت رياح الحرب تهب من جديد في الشرق الأوسط، إذ تلقى مكتب رئيسة الوزراء في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1972 معلومات استخباراتية من مصادر الموساد تفيد بأن مصر على وشك تجديد إطلاق النار في منطقة قناة السويس.
وبحسب تلك المعلومات، فإن السادات أعطى الأوامر للجيش المصري بالاستعداد واستئناف عمليات إطلاق النار في نهاية ديسمبر/كانون الأول 1972 ثم الاستعداد لعملية أوسع، وأشار مصدر في الموساد إلى عدم وجود يقين من أن السادات سيفتح النار بالفعل ويشن حربا شاملة.
ودفع تراكم هذه المعلومات الاستخباراتية رئيسة الوزراء مائير إلى عقد جلسة خاصة في مكتبها في الأول من ديسمبر/كانون الأول 1972 بحضور وزير الأمن موشيه ديان والوزير يسرائيل غاليلي ورئيس الأركان ديفيد إليعازر ورئيس الموساد تسفي زامير ورئيس وحدة الاستخبارات العسكرية (أمان) إيلي زعيرا وآخرين.
ورجح ديان اقتراب مصر من تجديد عمليات إطلاق النار بداية عام 1973 في شكل حوادث محلية بمحيط قناة السويس وليس حربا شاملة، وتوقع انضمام سوريا في حال اندلعت الحرب “وإن كان احتمالا ضئيلا”.
وقال ديان إن إسرائيل لن توافق على حرب استنزاف، بل ستضرب بقوة سوريا ومصر، وسيقوم الجيش الإسرائيلي بعمليات لعبور قناة السويس في الجزء الشمالي واحتلال بورسعيد.
بدوره، قال رئيس الاستخبارات العسكرية إن “فرصة قيام مصر ببدء حرب ليست كبيرة، وإن احتمال محاولتهم عبور القناة يقترب من الصفر، وإن احتمال أن يبدؤوا حرب استنزاف ضئيل للغاية”.
احتمالات ضئيلة
ومال رئيس الأركان تقييم الاستخبارات العسكرية إلى أن فرص إطلاق النار ضئيلة للغاية، لكنه قال “لا يمكن أن نتحرر من الاستعدادات، لأن السادات يمكن أن يفعل أشياء غير منطقية”، واتفق مع ديان على طبيعة الرد الإسرائيلي، وعرض على الحاضرين الخيارات المتاحة للجيش الإسرائيلي لتوجيه ضربات قوية للمصريين في حالة إطلاق النار.
وأثار رئيس الأركان “احتمالا ضعيفا” لوقوع هجوم منسق متزامن من قبل السوريين والمصريين، قائلا إنه “احتمال غير سار بالنسبة لإسرائيل، وإذا كانت هناك أخبار عن هذا الموضوع فنحن بحاجة إلى التحرك بشأن سوريا بطريقة تمنعها من دخول الحرب على الأقل لبضع سنوات”.
وتظهر وثائق الأرشيف أن رئيس الموساد زامير شكك في تقييم زعيرا وإليعازر، وقال “علينا أن نبدأ من نقطة الافتراض بإمكانية تنفيذ عمليات عسكرية أو أي سيناريو من هذا القبيل”.
وأكد أنه “لا يتوقع أيضا تجدد الحرب على طول قناة السويس، بل المزيد من العمليات المحلية التي تحمل طبيعة المضايقات والاستفزازات”.