خاركيف- تقع مدينة خاركيف في شرق أوكرانيا، وهي ثاني أكبر المدن الأوكرانية بعد العاصمة كييف، وواحدة من أهمها، وأكثرها تعرضا للقصف، رغم مضي أكثر من عام على “تحريرها”، لا سيما وأنها تبعد مسافة 40 كم تقريبا عن الحدود مع مقاطعة بيلغورود في روسيا، حيث يأتي القصف غالبا.
في مكان سري بالمدينة، وبعيدا عن مباني الدوائر الحكومية المغلقة منذ بداية الحرب، وبعد ساعات من تعرضها لقصف بواسطة 4 صواريخ صبيحة الاثنين الماضي، حاورت الجزيرة نت عمدة مدينة خاركيف إيهور تيريخوف، حول الأوضاع في المدينة، وفي المقاطعة الشرقية التي تحمل اسمها.
“تحت السيطرة”
دوي الانفجارات الناجمة عن القصف سمعه كل سكان المدينة، التي تبلغ مساحتها نحو 350 كم مربع، وهذا يدفع تيريخوف للاعتراف بأن “الأوضاع في خاركيف صعبة”، مع التأكيد بالمقابل أنها “تحت السيطرة”.
يقول “المدينة تُقصف بوتيرة يومية، والقصف عليها يصيب الأحياء السكنية والبنى التحتية الحيوية ومرافق المواصلات، هذا يخلق أعباء كثيرة، لكنه لا يمنع عمل فرق الإنقاذ وخدمات الطوارئ، التي لا توقف جهود إصلاح الأضرار بأقصى سرعة ممكنة”.
ويضيف تيريخوف “الأوضاع في أرجاء المقاطعة القريبة من الحدود مع روسيا صعبة، لكنها ليست حرجة، قواتنا تصد محاولات تقدم العدو الروسي، ولا تسمح له بذلك؛ والأخير يرد بمحاولات قصف مواقع القوات الأوكرانية، تماما كما يفعل دائما”.
ويشير إلى أن “وتيرة القصف على المدينة زادت مؤخرا، تماما كما حلّ مع مدن أوكرانية أخرى، هذا كان متوقعا من المعتدي الروسي مع اشتداد البرد (درجات الحرارة تدنت في خاركيف إلى ما دون 15 درجة تحت الصفر)، لكنه لا يسبب أي هلع، ولا يؤثر في الإمدادات الخدمية من كهرباء ومياه وتدفئة، ومن ثم لا يؤثر في الأوضاع المعيشية كما فعل السنة الماضية”.
آثار القصف لا تخطؤها العين في خاركيف، فهي موجودة في كل أحيائها التسعة، ويدفع استهدافها المتكرر إلى طرح سؤال حول سبب عدم حماية المدينة كالعاصمة كييف وغيرها، بحكم موقعها وأهميتها، لا سيما مع حصول أوكرانيا على دفاعات جوية مختلفة من دول الغرب.
يجيب تيريخوف “لا يصح القول إن المدينة محمية بصورة أقل بكثير من غيرها؛ ومع ذلك، نأمل توفر دفاعات جوية أكثر، فخاركيف تقصف غالبا بصواريخ “إس 300″ (التي تعدّ في الأساس صواريخ للدفاع الجوي، ولكنها تستخدم -أيضا- لضراب أهداف أرضية)”.
ويتابع موضحا “بحكم الموقع الجغرافي القريب من بيلغورود الروسية، فإن هذه الصواريخ تصل إلى أهدافها خلال 40 ثانية فقط؛ ولهذا نحتاج إلى دفاعات قادرة على اعتراض هذه الصواريخ بكفاءة، لا سيما وأنها تسلك مسارا باليستيا يصعب على الدفاعات المتوفرة التعامل معها”.
يقول تيريخوف “كثير من معالم المدينة دُمرت أو تضررت بسبب الحرب، خاصة في وسط المدينة، هذا يشمل جميع المباني التي تعدّ تحفا معمارية في حد ذاتها، ولعل من أبرز المعالم: مكتبة “كورولينكو”، ومتحف الفن، وعدد من الكنائس، إضافة إلى جامعة “كارازينا” العريقة على مستوى أوكرانيا والعالم، ومبنى “ديرجبروم” (قصر الصناعة).
تغيرات ديموغرافية
انعكس كل هذا على ديمغرافية المدينة وأعداد وطبيعة السكان بشكل يشعر به كل من عرف خاركيف وعاش فيها، ويعلق العمدة تيريخوف على ذلك قائلا “قبل الحرب، وصل عدد سكان خاركيف رسميا إلى 1.5 مليون نسمة، ولكنه لم يكن دقيقا، لأن أعدادا كبيرة من السكان كانت تأتي إلى المدينة من باقي مدن وقرى مقاطعة خاركيف خلال أيام العمل، وتغادرها خلال نهاية الأسبوع؛ ولذا نقدّر أن خاركيف كانت تضم نحو مليوني نسمة قبل الحرب، من بينهم نحو 300 نسمة من الطلاب الأوكرانيين والأجانب”.
ويتابع “بعد تحرير المدينة في سبتمبر/أيلول 2022، عاد جزء من سكان المدينة إليها، والعدد الإجمالي حاليا يقدر بنحو 1.3 مليون نسمة، منهم مليون نسمة من السكان الأصليين فقط، ونحو 300 ألف نسمة هم من النازحين من مقاطعات دونيتسك ولوغانسك زابوريجيا وحتى خيرسون، الذين لا يملكون المال الكافي للنزوح إلى مقاطعات أبعد والإقامة فيها”.
ولمساعدة هؤلاء وغيرهم من سكان المدينة الأصليين، يقول تيريخوف “إدارة المدينة نفّذت مشاريع اجتماعية عدة، فقررت على سبيل المثال أن تكون وسائل المواصلات الحكومية مجانية بالكامل، وهذا يشمل شبكات المترو والترام والحافلات العادية والكهربائية”.
ويتابع “كما نُفّذ برنامج الوجبات الغذائية اليومية، التي تُوزع على المحتاجين مجانا؛ ويستفيد منها نحو 58 ألف شخص، وخلال عام وُزّع نحو 10 ملايين وجبة تقريبا”.
جامعات فارغة
وحول ما يتعلق بهُوية المدينة، التي كانت على مدار عقود “مدينة الجامعات والمعاهد”، يشير العمدة إلى أن “الجامعات والمعاهد أغلقت أبوابها، وتحولت إلى نظام الدراسة عن بعد، ولم تخلُ يوما من طواقمها، حتى وإن اضطر بعضهم للنزوح أو اللجوء في دول أخرى”.
ويضيف “خاركيف كانت مدينة العلم والتعليم، لكثرة جامعاتها وأعداد الطلاب، يؤسفنا أن تخلو المدينة اليوم منهم ومن الطلاب الأجانب، الأمر الذي يعدّ اليوم ظاهرة غريبة فيها، بسبب الحرب”.
وقبل أيام قليلة، أتى القصف على أحد مرافق مجمع طبي حكومي في المدينة، وهو أمر تكرر منذ بداية الحرب في 24 فبراير/شباط 2022، ويعلق عمدة المدينة على ذلك بأن “الحرب أتت على أعداد كبيرة من مباني ومرافق المستشفيات والمستوصفات الحكومية والخاصة، هذه من الأسباب التي دفعت أعدادا كبيرة من المرضى إلى النزوح واللجوء”.
لكن تيريخوف أكد أنه “منذ بداية الحرب وحتى يومنا هذا، لم تشهد المؤسسات الطبية عجزا في المواد والأدوية والكوادر، بل كانت نموذجا لغيرها في الصمود”، على حد قوله.