واشنطن – لم يمثّل إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن شن ضربات جوية على عدد من المواقع التي يستخدمها الحوثيون في اليمن مفاجأة للعديد من الخبراء والمعلقين الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت.
وقال هؤلاء الخبراء إن شن واشنطن تلك الهجمات خاصة جاء بعد نشر دراسة أمس الخميس لخدمة أبحاث الكونغرس، وهي الجهة البحثية التي تمدّ أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بأبحاث موثقة، جاء فيها أنه “ردا على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وضعت البحرية الأميركية سفنا حربية متعددة لاعتراض تلك الهجمات” وشكلت تحالف “حارس الازدهار”، وهو تحالف متعدد الجنسيات لحماية حرية الملاحة في منطقة البحر الأحمر.
وفي الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري، أصدر البيت الأبيض، إلى جانب العديد من شركاء واشنطن، تحذيرا رسميا لجماعة الحوثي، ينص على أن الحوثيين “سيتحملون مسؤولية العواقب إذا استمروا في تهديد الأرواح والاقتصاد العالمي والتدفق الحر للتجارة في الممرات المائية الحيوية في المنطقة”.
وأشارت الدراسة إلى أن “هجمات مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن على السفن التجارية التي تعبر مضيق باب المندب، دفعت العديد من شركات الشحن الكبرى إلى تعليق أو إعادة توجيه الشحنات بتكلفة كبيرة”. ولمواجهة التهديدات التي يشكلها الحوثيون، يقال إن الولايات المتحدة تدرس خيارات عسكرية مختلفة.
مخاطر كبيرة
دعا بعض أعضاء الكونغرس، وعلى رأسهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب مايكل مكول، الإدارة الأميركية لإعادة تصنيف جماعة الحوثيين “جماعة إرهابية”، حيث سبق أن أزاح الرئيس الأميركي جو بايدن بعد أيام من بدء حكمه في يناير/كانون الثاني 2021 الجماعة من “قائمة وزارة الخارجية للجماعات الإرهابية”، والتي وضعتها فيها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وتبحث إدارة بايدن حاليا إمكانية إعادة وضع الحوثيين في القائمة.
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر مدير مؤسسة “دراسات دول الخليج” جورجيو كافيرو أن توجيه واشنطن ضربات عسكرية إلى أهداف للحوثيين على الأرض في اليمن “جزء من جهود الإدارة لردع الجماعة عن شن المزيد من عملياتها في البحر الأحمر وخليج عدن، مع إظهار أن واشنطن ملتزمة بتزويد إسرائيل بدعم قوي وسط حربها على قطاع غزة، التي لها العديد من الآثار المتتالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير”.
ولفت كافيرو إلى العديد من المخاطر “التي سيتعين على إدارة بايدن تحملها”، وقال “ليس هناك ما يضمن على الإطلاق أن هذا سيردع الحوثيين، بل قد يؤدي إلى المزيد من السلوك التخريبي من جانبهم”.
وأضاف “من المهم أن نرى ما إذا كان الحوثيون سيستهدفون دول مجلس التعاون الخليجي مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في انتقامهم”.
وأوضح كافيرو “يعد خطر حدوث ذلك سببا رئيسيا في تحذير عواصم الخليج العربي فريق بايدن من شن ضربات عسكرية على أهداف الحوثيين في اليمن، وسيكون من الأهمية بمكان أيضا أن نرى كيف يمكن لمثل هذه الضربات الأميركية أن تؤثر على العلاقات السعودية الإيرانية، والإماراتية الإيرانية، وسط هذه الفترة من الانفراج بين هذه الدول”.
كما أشار المحاضر المتخصص في الشؤون الدولية بجامعة “جورج واشنطن” نيد لازاروس، في حديث للجزيرة نت، إلى أن أحد المخاطر التي تتخوف منها إدارة بايدن عقب شن هجمات على الحوثيين “هو انجرار واشنطن الفعلي إلى حرب إقليمية أوسع، وهو أمر تسعى الإدارة إلى تجنبه من خلال الحفاظ على ردودها العسكرية متناسبة، بعد سلسلة من الهجمات على القوات والمصالح الأميركية من قبل الحوثيين والمليشيات التي ترعاها إيران في العراق”.
معضلة واشنطن وبديل الشيطان
وتحدث تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية والخبير حاليا بالمعهد العربي بواشنطن والمحاضر بجامعة “جورج واشنطن”، عن معضلة عدم الهجوم على الحوثيين والهجوم عليهم.
وقال دان للجزيرة نت “إنه اختيار الشيطان (It’s a devil’s choice)، قد تتصاعد هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر إذا لم تهاجمهم الولايات المتحدة، لكن من المحتمل أن يتصاعد الأمر وتزداد الهجمات على الخطوط الملاحية كذلك بعد مهاجمتهم، وهناك خطر التصعيد لحرب أوسع، لا تقتصر بالضرورة على البحر الأحمر”.
من جانبه، أضاف الأكاديمي لازاروس “منذ وصولها للحكم، سعت إدارة الرئيس جو بايدن باستمرار إلى تهدئة الحرب المتعددة الأطراف والطويلة الأمد في اليمن، بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والتحالف الذي تقوده السعودية والأطراف الأخرى، لذا فإن هناك خطرا آخر يتمثل في أن تؤدي هذه الهجمات إلى أعمال عدائية جديدة من شأنها أن تلغي التقدم الذي تم إحرازه على هذه الجبهة”.
من ناحية أخرى، اتهم لازاروس إيران بتقديم دعم تقني أساسي للحوثيين في هجماتهم الأخيرة على السفن الدولية، وقال إن “ذلك يمثل بالتأكيد تصعيدا في التوترات بين إيران والولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى انتقام متبادل في أجزاء أخرى من المنطقة أيضا”.
واشنطن لا تغادر الشرق الأوسط
يُظهر العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والاضطرابات المتجددة للقوات الأميركية في سوريا والعراق، إضافة إلى هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة في البحر الأحمر، أن رغبة واشنطن في تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط هو محض خيال.
ومن المفارقات أن الرئيس بايدن وسلفيه دونالد ترامب وباراك أوباما سعوا جميعا إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، ومع ذلك تستمر الصراعات المتكررة في جذب الولايات المتحدة مرة أخرى.
وغرد تاريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي في واشنطن، على منصة “إكس” معلقا على هذه التطورات بالقول إن “الطريقة الأكثر فعالية لتجنب هذا التصعيد ليست قصف الحوثيين، بل تأمين وقف إطلاق النار في غزة، لكن بايدن لن يفكر في ذلك، فبدلا من ذلك هو يستعد لحرب إقليمية”.
كما اتهمت النائبة رشيدة طليب، ذات الأصول الفلسطينية والعضوة في مجلس النواب عن ولاية ميشيغان، الرئيس بايدن بتخطي الكونغرس بشنه هجمات على الحوثيين.
وقالت في تغريدة على موقع إكس إن الرئيس الأميركي “انتهك المادة الأولى من الدستور من خلال تنفيذ غارات جوية في اليمن دون موافقة الكونغرس، لقد سئم الشعب الأميركي من الحرب التي لا نهاية لها”.