تغيير محتوى ويكيبيديا.. ساحة صراع إسرائيلية داخلية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

القدس المحتلة- تشهد أرشيفات موسوعة ويكيبيديا حرباً مستعرة بين الإسرائيليين أنفسهم حول الروايات والآراء والمواقف الداخلية المتعلقة بالعدوان على قطاع غزة بعد معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتعكس حرب الروايات والسردية بين الإسرائيليين التي تجري في “ويكيبيديا” حجم الخلافات الداخلية وعمق الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي، الذي ترسخ لاعتبارات سياسية واجتماعية وطائفية ودينية وعقائدية، ويهدف لصياغة سردية قد تحدد إلى حد كبير ملامح الرواية بما سمي اليوم التالي للحرب.

وتجلت هذه الاعتبارات بين المعسكرات السياسية والدينية الإسرائيلية، من خلال التباين بوجهات النظر حيال الفشل والإخفاق بمنع الهجوم المفاجئ لفصائل المقاومة الفلسطينية، وسير الحرب، وارتباطها بملف المحتجزين بالأسر لدى المقاومة، وأداء القيادات السياسية والعسكرية، مع محاولات تحويل المسؤولية عن الفشل إلى اتجاهات وشخصيات أخرى.

حرب السردية

رصد تحقيق للموقع الإلكتروني العبري “شومريم” ملامح الحرب التي تتلخص بإقدام الإسرائيليين -ولاعتبارات سياسية وأيديولوجية- على تغيير وحذف مضامين أرشيف موسوعة “ويكيبيديا” الخاصة بكل ما يتعلق بدورهم في القتال بأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والمسؤولية عن الفشل والإخفاق الاستخباراتي.

ولم تقتصر ملامح الصراع المحتدم على حذف وشطب المضامين، بل انتقلت إلى مرحلة التضليل وتشويه المعلومات، ونشر معلومات مغلوطة عن بعض القيادات والشخصيات، وحتى شطب معلومات يرى بها البعض أنها تسيء إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ولوحظ حذف معلومات حول دور قيادات أمنية سابقة في التصدي للهجوم المفاجئ على مستوطنات “غلاف غزة”، مثل ما قام به يائير غولان اللواء المتقاعد بالجيش الإسرائيلي الذي شغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان، وكان من أوائل الذين وصلوا لمنطقة الغلاف ذلك اليوم.

وفي تحول يعكس الخلافات الداخلية بين الإسرائيليين بشأن قانون التجنيد وفرض الخدمة العسكرية على اليهود المتدينين “الحريديم” شُطبت عبارة “إخوة السلاح” وحُذفت معلومات تتعلق بالتعبئة المدنية والتطوع لإسناد قوات الاحتياط بالحرب، بينما تكررت المحاولات لتشويه رئيس هيئة الأركان السابق الوزير بيني غانتس، وكذلك كبار المسؤولين الحاليين والسابقين بالمؤسسة الأمنية.

إعادة الصياغة

يقول الصحفي الاستقصائي ميلان تشيرني “لاحظ العديد من محرري ويكيبيديا -الأسابيع الأخيرة- أن محاولة جرت لحذف وشطب الأعمال التي قام بها الجنرال المتقاعد غولان يوم الهجوم، حيث توجه إلى منطقة الحفل الغنائي (نوفا) بعد أن تلقى نداءات استغاثة من الأهالي للمساعدة بإنقاذهم من المنطقة”.

لكن مستخدمي ويكيبيديا “طلبوا حذف ذلك من السجل التاريخي” حسب ما يضيف تشيرني، زاعمين أن أفعال غولان -الذي كان عضواً بالكنيست عن حزب “ميرتس”- لم تكن غير عادية، وأنه لا قيمة لنشر مثل هذه التفاصيل عن ضابط احتياط من المفترض أن يفعل ذلك.

وأوضح تشيرني أن هناك من برر حذف ما قام به غولان، وتحرير المعلومات عن دوره في عمليات الإنقاذ بأن “أفعاله تستخدم للدعاية السياسية، وأن ذكرها في الموسوعة الإلكترونية جاء لاعتبارات غير موسوعية وغير قيمية”.

وأظهر تقرير الموقع الإلكتروني أنه جرت محاولات مماثلة لإعادة كتابة وصياغة التاريخ بشكل انتقائي في مدخل “ويكيبيديا” بكل ما يتعلق في الحرب على غزة، والتي أسماها الجيش الإسرائيلي “حرب السيوف الحديدية”.

وحسب الموقع، حاول المستخدمون الذين تعمدوا دخول الموسوعة وتصفحها عبر حسابات مزورة حذف المعلومات التي تشير إلى مساهمة حركة “إخوة السلاح” في المجهود الحربي، بما في ذلك التعبئة المدنية وغرف عمليات الطوارئ التي أنشأتها الحركة عندما اندلع القتال، معللين ذلك بأن مساهمتها ونشاطها في مساعدة المستوطنين لا يكاد يذكر مقارنة بالهيئات الأخرى.

وكجزء من الصراع، يقول تشيرني “اتهم مستخدمون نشطاء الحركة بالتهديد برفض الخدمة العسكرية ضمن قوات الاحتياط” وذلك ضمن الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل ضد التعديلات على الجهاز القضائي التي بادرت إليها حكومة نتنياهو.

معلومات سلبية

وبشأن المحتوى الإلكتروني في الموسوعة المتعلق بالوزير في مجلس الحرب بيني غانتس وخدمته العسكرية عندما كان رئيسا للأركان عام 2015، فإنه تعرض لمحاولات إعادة صياغة من قبل المستخدمين الذين أرادوا إدراج معلومات سلبية فيه.

ويقول الصحفي إن ذلك يتم “تحديداً أيام يتم الترويج فيها لشعار (معاً سننتصر) والتأكيد على أنه (لا نخوض في السياسة أثناء الحرب)”.

ووفقاً للتقرير، فإن أحد المستخدمين حاول أن يضيف معلومات وادعاءات مفادها أن غانتس قام بتأخير عملية مشاة للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة عام 2015، من أجل منع الأضرار والمساس بحياة المدنيين الفلسطينيين، حتى على حساب المخاطرة بجنود فرقة غولاني، حسب زعمه.

ليس هذا فحسب، بل ادعى مستخدم آخر أنه “خلال عملية العصف المأكول (عملية الجرف الصامد، حسب التسمية الإسرائيلية) عام 2014، وعندما كان غانتس رئيساً للأركان، قدم تقييماً كاذباً للحكومة آنذاك برئاسة نتنياهو، في محاولة لمنع احتلال غزة” وكتب المستخدم أن “غانتس هو المسؤول عن الوضع في غزة الذي أدى إلى أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول”.

الموقع الإسرائيلي يشير لمحاولات البعض تحصين نتنياهو عبر تغيير معلومات ويكيبيديا (الفرنسية)

تحصين نتنياهو

يشير معد التقرير الصحفي إلى أنه “لا يتم إجراء تغييرات غالباً في صفحات ويكيبيديا التي تتناول حدثاً تاريخياً منذ 3 عقود مضت” ولكن بعد أن قارن نتنياهو عدد القتلى اليهود في 7 أكتوبر بـ”ضحايا أوسلو” فقد بدأ المستخدمون فجأة في دمج الادعاء بأن “اتفاقات أوسلو” سبب الفشل والإخفاق الذي تسبب بأحداث ما يسمونه “السبت الأسود” في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

ورصد التقرير نشاطاً بارزاً لشخص يستخدم لقب “يعقوب” خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإلقاء اللوم والمسؤولية بأحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول على شخصيات في المؤسسة الأمنية، وليس على نتنياهو، علما بأن “يعقوب” كان محررا نشطاً في ويكيبيديا العبرية لعدة سنوات.

وبحسب ما وثقه التقرير، فإن “يعقوب” قام مؤخراً بتحرير وإعادة صياغة معلومات ومضامين وصفت بـ “المسيئة والمشوهة” تتعلق برئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” رونين بار، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” أهارون حاليفا، ووزير الأمن السابق موشيه يعالون، وكذلك أدخل تغييرات بمضامين متعلقة بضباط شاركوا في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

ويقول تشيرني إنه “كان من المهم ليعقوب أن يلاحظ في المعلومات عنهم أنهم دعموا خطة رئيس الوزراء السابق أرييل شارون لفك الارتباط عن قطاع غزة عام 2005″ لكنه في الوقت نفسه تجنب توجيه أي انتقاد لنتنياهو وحكومته، بل عارض التعديلات التي تحملهم مسؤولية الإخفاق بمنع أحداث “طوفان الأقصى”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *