القدس المحتلة- بلغت حدة التوتر والتصعيد الأمني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مستوى غير مسبوق، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى التحذير من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة في حال لم يتم احتواء حالة الغليان التي تشهدها الضفة الغربية في ظل الحرب على قطاع غزة.
وحملت هذه التحذيرات التي نقلها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، رسائل إلى المستوى السياسي والحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، بضرورة القيام بإجراءات لاحتواء حالة الغليان بالضفة، بسبب الغضب الشعبي الناجم عن الحصار الاقتصادي وعدم السماح للفلسطينيين العمل في إسرائيل.
ووجه رئيس الأركان وكبار الضباط في الجيش الإسرائيلي، في عدة مناسبات مختلفة في الأيام الأخيرة، إلى المستوى السياسي ورئيس الوزراء ووزراء، ومجلس الحرب، تحذيرا صريحا من منحدر زلق في الضفة الغربية، والتي قد تنتهي إلى جبهة أخرى سيتعين على إسرائيل التعامل معها بقوة كبيرة، بحسب ما أفادت القناة 12 الإسرائيلية.
وتأتي هذه التحذيرات في ظل العمليات العسكرية اليومية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في مختلف مناطق الضفة منذ معركة “طوفان الأقصى” بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبحسب مراسل القناة 12 للشؤون السياسية، يرون أبراهام، فإن التحذيرات تلخصت بالقول إن “الضفة الغربية على وشك الانفجار بسبب الصعوبات الاقتصادية. وقد ينتهي الأمر إلى انتفاضة ثالثة”.
وذكر مراسل الشؤون السياسية أن هذه التحذيرات مشتركة للجيش ولكافة الأجهزة الأمنية وجهاز الأمن العام “الشاباك”، وتأتي على خلفية قرار نتنياهو عدم إدراج قضية السماح للعمال الفلسطينيين من الضفة بدخول إسرائيل لتصويت المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية “الكابينت”، وإصرار وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على موقفه الرافض تحويل عائدات الضرائب (أموال المقاصة) إلى السلطة الفلسطينية.
توتر متصاعد
وفي قراءة للمعاني والدلالات بشأن تحذيرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من مغبة أن يقود التوتر المتصاعد في الضفة إلى انتفاضة ثالثة، أوضح الإعلامي الإسرائيلي يواف شطيرن، المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية، أن مناطق واسعة في الضفة تشهد منذ الحرب على غزة تصعيدا متدرجا، وعليه جاءت هذه التحذيرات للمستوى السياسي من أجل السعي للحد من حالة التوتر والغليان.
وشدد شطيرن في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه التحذيرات حقيقية، ولا تأتي في سياق التقديرات أو الفرضيات لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي لا تعرف كيف يمكن أن تتطور الأمور ميدانيا، حيث لا يستبعد الجيش الإسرائيلي سيناريو تحول التوتر الأمني إلى مواجهة واسعة تفضي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.
ورغم أن الضفة الغربية تشهد أجواء مشحونة ومتوترة، ومواجهات واشتباكات مسلحة، وعلميات عسكرية شبه يومية، إلا أن شطيرن لا يتوقع أي حدث من شأنه أن يخرج عن سياق الأحداث السائدة منذ فترة، ويؤدي إلى اشتعال انتفاضة، وعزا ذلك إلى وجود ما أسماه “عوامل ضبط النفس لدى الطرفين”.
ورأى شطيرن أن الطرف الإسرائيلي لا يريد التصعيد مع الضفة في ظل الحرب، لافتا إلى أنه لا يوجد رغبة إسرائيلية لمواجهة شاملة مع الفلسطينيين، وذلك رغم تعزز القناعات الإسرائيلية بضرورة الإبقاء في حالة استنفار وحشد قوات معززة للجيش في الضفة لمواجهة التنظيمات الفلسطينية المسلحة ومنعها من تنفيذ هجمات على مواقع عسكرية أو مستوطنات إسرائيلية.
هواجس وتحذيرات
وبحسب المحلل الإسرائيلي، فإنه رغم تصاعد التوتر الأمني والاشتباكات والمواجهات في حالة غير مسبوقة في مختلف المناطق بالضفة، إلا أن السلطة الفلسطينية، وإلى جانب العديد من الفصائل، غير معنية بالمواجهة الشاملة خشية أن يكون مصير الضفة مثل قطاع غزة.
ولا يستبعد شطيرن أنه في حال اندلاع انتفاضة ثالثة حدوث سيناريو دمار كامل وشامل للفلسطينيين، وأن تكون ردة الفعل الإسرائيلية مغايرة تماما لتلك المعهودة في السابق، وأن تتسبب ردة فعل وعمليات الجيش الإسرائيلي إلى التهجير وقتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وهو ما يعني أن الثمن من مواجهة شاملة الذي سيدفعه الفلسطينيون بالضفة سيكون أكثر من الفائدة والإنجازات التي قد تحقق، وفق رأيه.
لكن، رغم ذلك، يقول شطيرن إن “مثل هذه الأمور والتقديرات والسيناريوهات لا تعتمد على التحليل العقلاني، بل هي مجرد رد فعل عاطفي غير متوقع على حدث معين، يمكن أن يؤدي إلى اندلاع انتفاضة أو مواجهة شاملة، وعليه أتت هذه التحذيرات للمؤسسة الأمنية التي تخشى حدثا قد يفضي إلى إشعال الضفة”.
وفي قراءة لتحذيرات قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة مسلحة بالضفة ومطالبة القيادات السياسية القيام بخطوات وإجراءات لاحتواء حالة الغليان، أوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، أن ذلك يعكس الهواجس الإسرائيلية من احتمال مواجهة شاملة بالضفة بظل الحرب على غزة.
ويرى شلحت في حديثه للجزيرة نت أن المؤسسة الأمنية جادة في تحذيراتها من مغبة اندلاع انتفاضة مسلحة بالضفة، التي تشهد حالة غليان وتوتر أمني متصاعد، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة والإبادة الجماعية والكارثة الإنسانية وأعداد الشهداء.
وأوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أن الضفة التحمت مع غزة، حيث تشهد يوميا مواجهات واشتباكات مسلحة في مختلف المناطق والمخيمات وحتى في الريف الفلسطيني، حيث لا يسلط الإعلام الضوء كفاية على الأحداث بالضفة لانشغاله في توثيق ما يحدث بغزة، وعلى جبهات أخرى.
وعلى الرغم من ذلك، يقول شلحت “لا يمكن إغفال حقيقة أن الضفة توجَد على فوهة بركان يوشك على الانفجار، في ظل اتساع الفرق الفلسطينية المسلحة حتى قبل الحرب، حيث تجاوزت هذه الفرق الجديدة في حضورها حتى نشاط الفصائل التقليدية، وعليه تحاربها إسرائيل يوميا من خلال الاشتباكات والمواجهات”.
تصعيد ومواجهة
وعن مدى جدية تحذيرات الأجهزة الأمنية لاحتمال اندلاع انتفاضة ثالثة، استشهد الباحث بالشأن الإسرائيلي بالاشتباكات المسلحة اليومية، والعمليات العسكرية الإسرائيلية، والتوتر الأمني المتصاعد في كافة أنحاء الضفة، بعد أن كانت المقاومة المسلحة في السابق مقتصرة على جنين ومخيمها ومناطق محصورة شمالي الضفة.
وعزا شلحت هذه التحذيرات من اشتعال مواجهة شاملة بالضفة، والتي تتزامن مع الحرب على غزة، إلى وجود حكومة يمينية بإسرائيل التي تعتبر الأكثر تطرفا من ناحية دينية وقومية، وتشن حربا على الفلسطينيين بالضفة عبر تكريس الأبارتهايد والضم عبر توسيع المشروع الاستيطاني، وتهجير الفلسطينيين في الأرياف والأغوار ومصادرة أراضيهم.
وبموجب هذه الوقائع الميدانية وسياسات الاحتلال وممارسات المستوطنين ضد الفلسطينيين، يقول شحلت “هناك حملة إسرائيلية مسعورة وشعواء على الضفة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مئات الشهداء قتلوا برصاص جيش الاحتلال والمستوطنين، إضافة إلى اعتقال نحو 6 آلاف فلسطيني. وبناء على ذلك؛ لم تأت تحذيرات المؤسسة الأمنية من فراغ، والوقائع الميدانية قد تنذر بانفجار حالة الغليان”.